الرئيسية » » يوسف الحسينى يكتب

يوسف الحسينى يكتب





ربما تكون الحيرة سببا فى التردد أحيانا، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون تردد الضعفاء أو خوف المتراجعين، ولكنه فى بعض الأحوال تردد أصحاب الحكمة وحاملى المسؤولية، وهى مسؤولية حملها «مصطفى الحسينى» هذا المواطن العالمى الجميل صاحب القلب العربى والروح المصرية، والذى عرفه العالم كاتبا ومحللا للشؤون الشرق أوسطية، وعرفه الفلسطينيون مناضلا أو مجاهدا على حد وصف قائده الفتحوى «أبوجهاد الوزير»، أما العامة من المصريين فقد عرفوه أبا لكاتب هذه الشاردة الواردة، والتى ربما تكون فى محلها الصحيح الكامل لأول مرة فى ظن كاتبها؛ فهى ليست التحليل الذى يقبل هدمه، ولا رأيا قد يتوجب فيه الخلاف، وإنما هى الشاردة التى تجول واقعا فى ذهن صاحبها لترد لأبيه جزءا يسيرا من حقه قبيل الذكرى الثانية لوفاته بأيام قليلة، والتى تحل فى اليوم العشرين من شهر يناير الميلادى.

ليس مصطفى الحسينى أبا ليوسف وإخوته الأكبر بسمة وهانى أو أخته الأصغر مريم، إنما شرف أبنائه بانتمائهم ونسبهم لعقله الجبار وثقافته الموسوعية وهدوئه الحكيم وكلامه القليل ونظرته التى تخترق العقل والروح من وراء زجاج نظارته، هم أربعة نشأوا على مكتبته، والأهم عرفوا المعنى الحقيقى لحنوه الغائب عندما يربت على كتف أحد منهم إعجابا أو توجيها وهو يقول «بالراحة».. نعم حنوه الغائب، فقد غاب عن أبنائه الأربعة ليكون أبا لأجيال من الكتاب والصحفيين والمناضلين فى غير صخب وبلا أدنى سعى للشهرة والظهور وصل لدرجة احتقار الشهرة والصخب والعُجب.. لم يحب اللوم يوما ولم يكتب فى الرثاء، وإنما ترجم وحلل وناقش وحارب حاملا سلاحه فى وجه الاحتلال الصهيونى وقلمه فى وجه العالم... ظنه الفلسطينيون فلسطينيا، وقال عنه رفاق الجيل والدرب إنه فلسطينى أكثر من الفلسطينيين أنفسهم.. اقترب منه فستجده أثناسيوس الجديد الذى يقف وحده ضد العالم حتى تصدق نبؤته ولا يخجل من إعلان حيرته أمام الجميع، بل يناقشها ويحاول الوصول معك إلى اليقين المفقود، كتب فى عام 1996 «حيرة عربى وحيرة يهودى»، وفتح أبواب عقله لقراء هذا الكتاب وكشف عن تجربته الفتحوية وحيرته بين الأفكار وكيفية تبنيه إنشاء مدرسة الكادر للحركة بعدما عرضها على المناضل الفريد خليل الوزير «أبو جهاد» فى منزل ريفى متواضع بقرية سبقا بغوطة دمشق فى عام 1968 ثم توسعت وصار مسؤولا عنها مع الشهيد سعيد حمامى وفاروق القاضى المعروف حركيا بأحمد الأزهرى، ثم يستكمل فى سرد جانب كنه تجربته النضالية لأجل القضية العربية لينتدب ضمن وفد فتح المشارك فى مؤتمر الحزب الاشتراكى الموحد الفرنسى، والذى كان يقوده آنذاك ميشيل روكار، ويتناقش هناك مع ممثلى منظمة ماتسبين الإسرائيلية المعادية للصهيونية ظنا منه أنهم أمل جديد ينبثق لتحرير الأرض لكنه وبعد هذا التاريخ بحوالى 4 سنوات وعندما انتهى من كتابه حولهم أوقف نشر وطباعة الكتاب، لأنه كان قد وصل إلى مرحلة نضج المسؤولية عن نشر فكرة قد يظن العرب فيها خلاصا، رغم أن أفكار المنظمة التى تلقى قبولا فى أوساط الشباب ليست بالحجم الذى يجعله ينشر عنها، ما يعطيها حجما أكبر من المطلوب لدى القارئ العربى المتشبث فى حال والمتعجل فى أغلب الأحوال، ولما سأله ابنه يوسف قال له: «لا تخلق من بعض الشىء ظاهرة فتصير دون قصد مسؤولا عن مثالب انتشارها»، ومضى مصطفى الحسينى فى حيرته وبحثه الدائم حتى عندما كان بين صفوف العمل المسلح ضد العدو الصهيونى، ففى وقت ما من عام 1969 قام بضرب هدف إسرائيلى مهم بالقرب من الحدود الأردنية بصواريخ الكاتيوشا، وكان برفقة سعيد حمامى وانتظروا فى معسكرهم لسماع ما ستنقله المحطات الإذاعية، حتى جاءهم خبر أن من بين المصابين رضيعة تمزقت أحشاؤها ونقلت بالمروحيات للعلاج، فما كان من سعيد حمامى إلا أن أعلن اعتزاله العمل المسلح لما يشوبه أحيانا من جرم، وما كان من مصطفى الحسينى إلا أن رد فى هدوء بارد ومعتاد «هذه هى الحرب» ولكن هذا الفارس النبيل لم يخجل فيما بعد من أن يراجع أفكاره حائرا وهو يسأل علانية: «أخذت أسأل نفسى إن كانت الحرب هى السبيل؟ وحتى هذه اللحظة لم أصل بينى وبين نفسى إلى إجابة على هذا السؤال، إنما بقى السؤال يمسك بخانقى ويزيد حيرتى عمقا».

هذا هو يا سادتى مصطفى الحسينى الحائر الباحث دائماً عن الإجابة واليقين وليس مجرد كاتب عادى أو حتى محللا عميق النظرة ممن تقرأ أعمدتهم فى الصحافة العالمية، وقد كان منهم وهو ليس مجرد واحد من أولئك الذين شاركوا فى تأسيس الصحف والمجلات التى يتحدث عنها الناس وعن عصرها الذهبى وقد كان أبرزهم.. إنما هو التفرد بذاته فى إطار الإيمان بالمجموع، هو الذى تراه مغرورا طالما لم تعرفه وتؤمن بتواضعه اللافت حين يقربك إليه.. هو الذى تحبه حتى إن أخطأ… هو الذى أنا ابنه.. هو «مصطفى الحسينى».
 
تصميم : محب فؤاد | جروب رب المجد
copyright © 2013. موقع رب المجد - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Published by Moheb Fouad
Proudly powered by Blogger